ولنذكر سبب نزل هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها. قال ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال : سأل قوم من بني النجار رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله عزَّ وجل :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة ﴾ [ النساء : ١٠١ ] ثم انقطع الوحي، فلما كان كذلك بحول غزا النبي ﷺ فصلى الظهر، فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلاَّ شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها قال : فأنزل الله عزَّ وجلَّ بين الصلاتين ﴿ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا ﴾ [ النساء : ١٠١ ] الآيتين فنزلت صلاة الخوف.
وعن أبي عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله ﷺ بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول الله ﷺ الظهر فقالوا : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا : يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال : فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة ﴾، قال : فحضرت فأمرهم رسول الله ﷺ فأخذوا السلاح قال : فصفنا خلفه صفين قال : ثم ركع فركعنا جميعاً، ثم رفع فرفعنا جميعاً، ثم سجد النبي ﷺ بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع فركعوا جميعاً ثم رفع فرفعوا جميعاً، ثم سجد النبي ﷺ والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم، ثم انصرف قال : فصلاها رسول الله ﷺ مرتين مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم.
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال : قاتل رسول الله ﷺ محارب خصفة، فجاء رجل منهم يقال له ( غورث بن الحارث ) حتى قام على رسول الله ﷺ بالسيف فقال : من يمنعك مني؟ قال :« الله » فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله ﷺ فقال :« ومن يمنعك مني » قال : كن خير آخذ قال :« أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله »؟ قال : لا، ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله، فقال : جئتكم من عند خير الناس، فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله ﷺ صلاة الخوف فكان الناس طائفتين، طائفة بإزاء العدو. وطائفة صلوا مع رسول الله ﷺ فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين وانصرفوا فكانوا مكان الطائفة الذين كانوا بإزاء العدو ثم انصرف الذين كانوا بإزاء العدو فصلوا مع رسول الله ﷺ ركعتين فكان لرسول الله ﷺ أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين.