وقال الحافظ أبو يعلى عن عبد الله قال، قال رسول الله ﷺ :« من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة استهان بها ربه عزَّ وجلَّ » وقوله :﴿ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي في صلاتهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون. وقد روى الإمام مالك عن أنس بن مالك عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله ﷺ :« تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق : يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً ».
وقوله تعالى :﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء ﴾ يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك، ﴿ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ] وقال مجاهد ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء ﴾ يعني أصحاب محمد ﷺ، ﴿ وَلاَ إِلَى هؤلاء ﴾ يعني اليهود، وقال رسول الله ﷺ :« مثل المنافق كمثل الشاة العاثرة بين الغنمين ».
وقال ابن جرير عن قتادة ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء ﴾ يقول : ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرحين بالشرك، قال : وذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يضرب مثلاً للمؤمن وللمنافق وللكافر كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر : أن هلم إليّ فإني أخشى عليك، وناداه المؤمن : أن هلم إلي فإن عندي وعندي يحصي له ما عنده، فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى عليه الماء فغرقه، وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك، قال : وذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول :« مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين رأت غنماً على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف، ثم رأت غنماً على نشز فأتتها فشامتها فلم تعرف »، ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ﴾ أي ومن صرفه عن طريق الهدى ﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً ﴾ [ الكهف : ١٧ ]، فإنه ﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ]، والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم، ولا منقذ لهم مما هم فيه، فإنه تعالى لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.


الصفحة التالية
Icon