، فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به!؟ وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره. وفي الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال :« » إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام « فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال :» لا، هو حرام « وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان أنه قال لهرقل ملك الروم : نهانا عن الميتة والدم. وقوله :﴿ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ ﴾ أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله، فهو حرام، لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقات على اسمه العظيم، فمتى عدل بها عن ذلك، وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات، فإنها حرام بالإجماع.
وقوله تعالى :﴿ والمنخنقة ﴾ وهي التي تموت بالخنق، إما قصداً، وإما اتفاقاً، بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به فهي حرام؛ وأما ﴿ الموقوذة ﴾ فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت، كما قال ابن عباس وغير واحد : هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت، قال قتادة : كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها. وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال، قلت : يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، قال :»
إذا رميت بالمعراض فخرق، فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله «، ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله، وما أصاب بعرضه فجعله وقيذاً لم يحله، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله ولم يجرحه على قولين، هما قولان للشافعي رحمه الله :( أحدهما ) لا يحل كما في السهم والجامع أن كلا منهما ميت بغير جرح فهو وقيذ، ( والثاني ) : أنه يحل لأنه حكم بإباحة ما صاده الكلب ولم يستفصل، فدل على إباحة ما ذكرناه لأنه قد دخل في العموم. ( فإن قيل ) : فلم لا فصل في حكم الكلب، فقال ما ذكرتم : إن جرحه فهو حلال وإن لم يجرحه فهو حرام؟ ( فالجواب ) : أن ذلك نادر لأن من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معاً، وأما اصطدامه هو والصيد فنادر وكذا قتله إياه بثقله، فلم يحتج إلى الإحتراز من ذلك لندوره، أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمترديه والنطيحة. وأما السهم والمعراض فتارة يخطىء لسوء رمي راميه أو للهو أو لنحو ذلك، بل خطؤه أكثر من إصابته، فلهذا ذكر كلا من حكميه مفصلاً، والله أعلم. ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه قد يأكل من الصيد ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد فقال :» إن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه «، وهذا صحيح ثابت في الصحيحين، وهو أيضاً مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين، فقالوا : لا يحل ما أكل منه الكلب.


الصفحة التالية
Icon