وقوله :﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته، فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله :﴿ والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَآ أَكَلَ السبع ﴾.
وقال ابن عباس في قوله ﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ يقول : إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه فهو ذكي، وقال ابن أبي حاتم عن علي في الآية قال : إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل، وقال ابن جرير، عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهي تحرك يداً أو رجلاً فكلها، وهكذا روي عن طاووس والحسن : أن المُذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح فهي حلال؛ وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل. وقال ابن وهب : سئل مالك عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها؟ فقال مالك : لا ارى أن تذكى، أي شيء يذكى منها. وقال أشهب سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش فيدق ظهره أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل؟ فقال : إن كان قد بلغ السحر؟؟ فلا أرى أن يؤكل، وإن كان أصاب أطرافه فلا أرى بذلك بأساً، قيل له : وثب عليه فدق ظهره، فقال : لا يعجبني، هذا لا يعيش منه، قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيثقب بطنها ولا يثقب الأمعاء، فقال : إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل، هذا مذهب مالك C؛ وظاهر الآية عام فيما استثناه مالك رحمه الله من الصور التي بلغ الحيوان فيها إلى حالة لا يعيش بعدها، فيحتاج إلى دليل مخصص للآية والله أعلم. وفي الصحيحين عن رافع بن خديج أنه قال، « قلت : يا رسول الله إنا لاقوا العدو غداً وليس معنا مُدَى أفنذبح بالقصب؟ فقال :» ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر. وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة «، وفي الحديث الذي رواه الدار قطني مرفوعاً، وروي عن عمر موقوفاً وهو أصح :» ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق « وفي الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه قال، » قلت : يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق؟ فقال :« لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك » وهو حديث صحيح، ولكنه محمول على ما لا يقدر على ذبحه في الحلق واللبة.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾ كانت النصب حجارة حول الكعبة، قال ابن جريج : وهي ثلثمائة وستون نصباً، كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله.