وقوله تعالى :﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ يحتمل أن يكون حالاً من الضمير في ﴿ عَلَّمْتُمْ ﴾ فيكون حالاً من الفاعل، ويحتمل أين يكون حالاً من المفعول وهو ﴿ الجوارح ﴾ أي وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد، وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو أظفارها، فيستدل بذلك والحالة هذه على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته وبمخلابه وظفره أنه لا يحل له كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء، ولهذا قال :﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله ﴾ وهو أنه إذا أرسله استرسل، وإذا أشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه، ولهذا قال تعالى :﴿ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ واذكروا اسم الله عَلَيْهِ ﴾ فمتى كان الجارح معلماً وأمسك على صاحبه، وكان قد ذكر السم الله عليه وقت إرساله، حل الصيد وإن قتله بالإجماع. وقد وردت السنّة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال :« قلت يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله، فقال :» إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك « قلت : وإن قتلن؟ قال :» وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره «. قلت له : فإني ارمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال :» إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فلا تأكله «، وفي لفظ لهما » إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته «، وفي رواية لهما :» فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه «، فهذا دليل للجمهور وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقاً ولم يستفصلوا، كما ورد بذلك الحديث، وحكي عن طائفة من السلف أنهم قال لا يحرم مطلقاً.
وقوله تعالى :﴿ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ واذكروا اسم الله عَلَيْهِ ﴾ أي عند إرساله، كما قال النبي ﷺ لعدي ابن حاتم :»
إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك «، وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضاً :» إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله «، ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة، كالإمام أحمد رحمه الله في المشهور عنه التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية، وهذا الحديث، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور، أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال.


الصفحة التالية
Icon