« من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه » وفي سنن أبي داود عن عثمان في صفة الوضوء ومسح برأسه مرة واحدة واحتج من استحب تكرار مسح الرأس بعموم الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال أبو داود عن حمران قال : رأيت عثمان بن عفان توضأ فذكر نحوه ولم يذكر المضمضة والاستنشاق قال فيه : ثم مسح رأسه ثلاثاً ثم غسل رجليه ثلاثاً ثم قال رأيت رسول الله ﷺ توضأ هكذا، وقال :« من توضأ هكذا كفاه » تفرد به أبو داود، ثم قال : وأحاديث عثمان في الصحاح تدل على أنه مسح الرأس مرة واحدة.
وقوله تعالى :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين ﴾ قرىء ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ بالنصب عطفاً على ﴿ فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ﴾ رجعت إلى الغسل وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل، كما قاله السلف. ومن هاهنا ذهب من ذهب إلى وجوب الترتيب في الوضوء كما هو مذهب الجمهور، خلافاً لأبي حنيفة حيث لم يشترط الترتيب، بل لو غسل قدميه ثم مسح رأسه وغسل يديه ووجهه أجزأه ذلك؛ لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء، والواو لا تدل على الترتيب قال بعضهم : لما ذكر الله تعالى هذه الصفة في هذه الآية على هذا الترتيب، فقطع النظير عن النظير، وأدخل الممسوح بين المغسولين دل ذلك على إرادة الترتيب، وأما القراءة الأخرى، وهي قراءة من قرأ ﴿ وأرجلِكم ﴾ بالخفض، فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس. وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض إما على المجاورة وتناسب الكلام، كما في قول العرب : جحر ضب خرب، وكقوله تعالى :﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ] وهذا ذائع شائع في لغة العرب سائغ، ومنهم من قال : هي محمولة على مسح القدمين إذا كان عليهما الخفان، قال الشافعي رحمه الله، ومنهم من قال : هي دالة على مسح الرجلين. ولكن المراد بذلك الغسل الخفيف كما وردت به السنّة. وعلى كل تقدير فالواجب غسل الرجلين فرضاً لا بد منه للآية والأحاديث التي سنوردها، ومن أحسن ما يستدل به على أن المسح يطلق على الغسل الخفيف ما رواه الحافظ البيهقي عن علي ابن أبي طالب أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بكوز من ماء، فأخذ منه حفنة واحدة فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضلته وهو قائم، ثم قال : إن ناساً يكرهون الشرب قائماً وإن رسول الله ﷺ صنع كما صنعت، وقال :


الصفحة التالية
Icon