هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل، حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع ﴿ فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ ﴾ أي إلى خالقكم. وفي قوله هاهنا ﴿ إلى بَارِئِكُمْ ﴾ تنبيه على عظم جرمهم أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره، قال ابن جرير بسنده عن ابن عباس : أمر قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم قال : وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً، فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل، كلٌّ من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة. وقال السدي : في قوله ﴿ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ﴾ قال : فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف، فكان من قتل من الفريقين شهيداً حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل منهم سبعون ألفا وحتى دعا موسى وهارون ربنا أهلكت بني إسرائيل ربنا البقية الباقية، فأمرهم أن يلقوا السلاح وتاب عليهم، فكان من قتل منهم من الفريقين شهيداً، ومن بقي مكفراً عنه فذلك قوله :﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم ﴾. وقال ابن إسحاق : لما رجع موسى إلى قومه وأحرق العجل وذراه في اليم خرج إلى ربه بمن اختار من قومه فأخذتهم الصاعقة ثم بعثوا، فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم، قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى نصبر لأمر الله، فأمر موسى من لم يكن عَبَد العجل أن يقتل من عبده، فجعلوا يقتلونهم فهش موسى، فبكى إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم فتاب الله عليهم وعفا عنهم، وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف، وقال عبد الرحمن بن زيد : لما رجع موسى إلى قومه، وكانوا سبعين رجلاً قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه، فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم، فقالوا : يا موسى ما من توبة؟ قال : بلى ﴿ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية، فاخترطوا السيوف والخناجر والسكاكين، قال : وبعث عليهم ضبابة فجعلوا يتلامسون بالأيدي ويقتل بعضهم بعضاً، ويلقي الرجل أباه وأخاه فيقتله وهو لا يدري. قال : ويتنادون فيها رحم الله عبداً صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه، قال فقتلاهم شهداء وتيب على أحيائهم ثم قرأ :﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم ﴾.


الصفحة التالية
Icon