يقول تعالى حاكماً وآمراً بقطع يد السارق والسارقة، وقد كان القطع معمولاً به في الجاهلية، فقرر في الإسلام وزيدت شروط أخر، كما سنذكره إن شاء الله تعالى، كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه وزيادات هي من تمام المصالح، وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئاً قطعت يده به، سواء كان قليلاً أو كثيراً لعموم هذه الآية ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ فلم يعتبروا نصاباً ولا حرزاً، بل أخذوا بمجرد السرقة، وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده »، وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة، فعند الإمام مالك رحمه الله النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه وجب القطع واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله ﷺ قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، أخرجاه في الصحيحين، وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعداً، والحجة في ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال :« تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً »، ولمسلم أن رسول الله ﷺ قال :« لا تقطع يد السارق إلاّ في ربع دينار فصاعداً » قال أصحابنا : فهذا الحديث فاصل في المسألة، ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه. قالوا : وحديث ثمن المجن، وأنه كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا، لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهماً فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطريق.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مرد شرعي، فمن سرق واحداً منهما أو ما يساويه قطع، عملاً بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنها، ووقع في لفظ عند الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال :« اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك » وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم اثني عشر درهماً، وفي لفظ للنسائي :« لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن » قيل لعائشة : ما ثمن المجن؟ قالت : ربع دينار.


الصفحة التالية
Icon