وقوله :﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً ﴾ أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذ المقام بين الجزاء والإطعام والصيام، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي والمشهور عن أحمد رحمهم الله، لظاهر « أو » بأنها للتخيير. والقول الآخر على الترتيب : فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة، فيقوّم الصيد المقتول عند مالك وابي حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي : يقوم مثله من النعم لو كان موجوداً، ثم يشتري به طعام فيتصدق به فيصرف لكل مسكين مد منه عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز واختاره ابن جرير وقال أبو حنيفة وأصحابه : يطعم كل مسكين مُدَيْن، وهو قول مجاهد. وقال أحمد : مد من حنطة أو مدان من غيره، فإن لم يجد أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوماً، واختلفوا في مكان هذا الإطعام، فقال الشافعي : مكانه الحرم وهو قول عطاء، وقال مالك : يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن إليه، وقال أبو حنيفة : إن شاء أطعم في الحرم وإن شاء أطعم في غيره.
وقوله تعالى :﴿ لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ أي أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة، ﴿ عَفَا الله عَمَّا سَلَف ﴾ أي في زمان الجاهلية لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله ولم يرتكب المعصية، ثم قال :﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ ﴾ أي ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه ﴿ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ والله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾. قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما ﴿ عَفَا الله عَمَّا سَلَف ﴾ ؟ قال : عما كان في الجاهلية. قال، قلت : وما ﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ ﴾ ؟ قال : ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة، قال، قلت : فهل في العود من حد تعلمه! قال : لا، قال، قلت : فترى حقاً على الإمام أن يعاقبه؟ قال : لا، هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله عزَّ وجلَّ، ولكن يفتدي، رواه ابن جرير. وقيل : معناه : فينتقم الله منه بالكفارة؛ قاله سعيد بن جبير وعطاء ثم الجمهور من السلف والخلف : على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء، ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة، وإن تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد. وقال ابن جرير عن ابن عباس فيمن أصاب صيداً يحكم عليه ثم عاد، قال : لا يحكم عليه، ينتقم الله منه. قوله ﴿ والله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ أي : والله منيع في سلطانه لا يقهره قاهر، ولا يمنعه من الإنتقام ممن انتقم منه، ولا من عقوبة من أرد عقوبته مانع لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزة والمنعة. وقوله :﴿ ذُو انتقام ﴾ يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه.


الصفحة التالية
Icon