﴿ إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾ [ المائدة : ٢٩ ] يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني، فمعنى الكلام رجعوا منصرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضب ووجب عليهم من الله سخط.
وقوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق ﴾، يقول الله تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات الله، وإهانتهم حَمَلة الشرع وهم ( الأنبياء ) وأتباعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا، إنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله ﷺ قال :« الكبر بطرُ الحق وغَمْطُ الناس » يعني رد الحق وانتقاص الناس والازدراء بهم والتعاظم عليهم. ولهذا لما ارتكب بنوا إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله، وقتلهم أنبياءه، أحل الله بهم بأسه الذي لا يُرد وكساهم ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الآخرة جزاءً وفاقاً. عن عبد الله بن مسعود قال :« كانت بنوا إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار ». وعن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله ﷺ قال :« أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة رجلٌ قتله نبي أو قَتَل نبياً، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين »، وقوله تعالى :﴿ ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ وهذه علة أُخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي، والاعتداءُ المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon