يقول تعالى مخبراً عن المشركين المكذبين المعاندين : أنهم كلما أتتهم من آية أي دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات على وحدانية الله وصدق رسله الكرام، فإنهم يعرضون عنها فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها. قال الله تعالى :﴿ فَقَدْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾، وهذا تهديد لهم ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق، بأنه لا بد أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب، وليجدن غبه، وليذوقن وباله. ثم قال تعالى واعظاً لهم ومحذراً لهم أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم من القرون السالفة. الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعاً، وأكثر أموالاً وأولاداً واستعلاء في الأرض، وعمارة لها فقال :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ﴾ أي من الأموال والأولاد والأعمار والجاه العريض والسعة والجنود، ولهذا قال :﴿ وَأَرْسَلْنَا السمآء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً ﴾ أي شيئاً بعد شيء، ﴿ وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ﴾ أي أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض أي استدراجاً وإملاء لهم، ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ أي بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترحوها، ﴿ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ أي فذهب الأولون كأمس الذاهب وجعلناهم أحاديث ﴿ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ أي جيلاً آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم فأهلكوا كإهلاكهم، فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنت أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه.


الصفحة التالية
Icon