يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض وما فيهما، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي ﷺ :« إن الله لما خلق الخلق كتب كتاباً عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي »، وقوله :﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ هذه اللام هي الموطئة للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده ﴿ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [ الواقعة : ٥٠ ] وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه أي لا شك عند عباده المؤمنين، فأما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يترددون. عن ابن عباس قال :« سئل رسول الله ﷺ عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال :» والذي نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله تعالى سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء «، هذا حديث غريب، وفي الترمذي :» إن لكل نبي حوضا وأرجو أن أكون أكثرهم واردة « وقوله :﴿ الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم، ثم قال تعالى :﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار ﴾ أي كل دابة في السماوات والأرض، الجميع عباده وخلقه وتحت قهره وتصرفه وتدبيره. لا إله إلاّ هو ﴿ وَهُوَ السميع العليم ﴾ أي السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم، ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد ﷺ الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم :﴿ قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السماوات والأرض ﴾، كقوله :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون ﴾ [ الزمر : ٦٤ ] والمعنى : لا أتخذ ولياً إلاّ الله وحده لا شريك له فإنه فاطر السماوات والأرض أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق. ﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ﴾ أي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم. كما قال تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] الآية، وقرأ بعضهم ﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ﴾ : أي لا يأكل.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي ﷺ على طعام، فانطلقنا معه فلما طعم النبي ﷺ وغسل يديه قال :» الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم. ومنَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا من الشراب. وكسانا من العري. وكل بلاء حسن أبلانا. الحمد لله غير مودع ربي ولا مكفي ولا مكفور ولا مستغنى عنه. الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وهدانا من الضلال. وبصرنا من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً. الحمد لله رب العالمين « ﴿ قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ﴾ أي من هذه الأمة، ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين * قُلْ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ ﴾ أي العذاب ﴿ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ﴾ يعني فقد رحمه الله ﴿ وَذَلِكَ الفوز المبين ﴾، كقوله :﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ] والفوز حصول الربح ونفي الخسارة.