يقول تعالى : مخبراً عن المشركين أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون، كقولهم :﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً ﴾ [ الإسراء : ٩٠ ] الآيات، ﴿ قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلٍ آيَةً ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي هو تعالى قادر على ذلك ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك، لأنه لو أنزلها وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى :﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ [ الإسراء : ٥٩ ]، وقال تعالى :﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [ الشعراء : ٤ ]، وقوله :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾، قال مجاهد : أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة : الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة. وقال السدي :﴿ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ أي خلق أمثالكم. وقوله :﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ ﴾ أي الجميع علمهم عند الله ولا ينسى واحداً من جميعها من رزقه وتدبيره سواء كان برياً أو بحرياً، كقوله :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ هود : ٦ ] أي مفصح بأسمائها، وأعدادها، ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السميع العليم ﴾ [ العنكبوت : ٦٠ ]، وقوله :﴿ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾. عن ابن عباس قال : حشرها الموت، ( والقول الثاني ) : إن حشرها هو بعثها يوم القيامة، لقوله :﴿ وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ ﴾ [ التكوير : ٥ ].
عن أبي ذر قال :« بينما نحن عند رسول الله ﷺ إذا انتطحت عنزان، فقال رسول الله ﷺ :» أتدرون فيم انتطحتا؟ « قالوا : لا ندري، قال :» لكن الله يدري وسيقضي بينهما «، قال أبو ذر : ولقد تركنا رسول الله وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلاّ ذكر لنا منه علماً » وفي الحديث :« إن الجمعاء لتقتص من القرناء يوم القيامة » وقال عبد الرزاق عن أبي هريرة في قوله :﴿ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ قال : يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذٍ أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول : كوني تراباً. فلذلك يقول الكافر :﴿ ياليتني كُنتُ تُرَاباً ﴾ [ النبأ : ٤٠ ]. وقوله :﴿ والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظلمات ﴾ أي مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم وهو الذي لا يسمع، أبكم : وهو الذي لا يتكلم. وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر. فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه؟ كقوله :﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ البقرة : ١٧-١٨ ]، وكما قال تعالى :﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾ [ النور : ٤٠ ]، ولهذا قال :﴿ مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي هو المتصرف في خلقه بما يشاء.


الصفحة التالية
Icon