يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد، المتصرف في خلقه بما يشاء، وأنه لا معقب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه خلقه بل هو وحده لا شريك له، الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء، ولهذا قال :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة ﴾ أي أتاكم هذا أو هذا ﴿ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه، ولهذا قال :﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي في اتخاذكم آلهة معه ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ أي في وقت الضرورة لا تدعون أحداً سواه وستذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كقوله :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ] الآية. وقوله :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالبأسآء ﴾ يعني الفقر والضيق في العيش، ﴿ والضرآء ﴾ وهي الأمراض والأسقام والآلام، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون. قال الله تعالى :﴿ فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ﴾ أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكوا لدينا، ﴿ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي ما رقت ولا خشعت، ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ﴾ أي من الشرك والمعاندة والمعاصي، ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ﴾ أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذاً بالله من مكره، ولهذا قال :﴿ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا ﴾ أي من الأموال والأولاد والأرزاق ﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾ أي على غفلة ﴿ فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾ أي آيسون من كل خير. قال ابن عباس المبلس : الآيس، وقال الحسن البصري : من وسّع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم قرأ :﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾ قال : مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا. وقال قتادة : بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوماً قط إلاّ عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلاّ القوم الفاسقون.
وقال مالك عن الزهري ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ قال : رخاء الدنيا ويسرها، . وقد قال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، عن النبي ﷺ، قال :« إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج » ثم تلا رسول الله ﷺ :﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾. وعن عباده بن الصامت أن رسول الله ﷺ كان يقول : إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف وإذا اراد الله بقوم اقتطاعاً فتح لهم - أو فتح عليهم - باب خيانة ﴿ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾، كما قال :﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾.


الصفحة التالية
Icon