يقول تعالى ممتناً على عباده في إنجائه المضطرين منهم من ظلمات البر والبحر أي الحائرين الواقعين في المهامه البرية، وفي اللجج البحرية إذا هاجت الرياح العاصفة، فحينئذ يفردون الدعاء له وحده له شريك له، كقوله :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ] الآية، وقوله :﴿ هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين ﴾ [ يونس : ٢٢ ] الآية، وقوله :﴿ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أإله مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ النمل : ٦٣ ]. وقال في هذه الآية الكريمة :﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ البر والبحر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾ أي جهراً وسراً، ﴿ لَّئِنْ أَنجَانَا ﴾ أي من هذه الضائقة ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين ﴾ أي بعدها، قال الله :﴿ قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ ﴾ أي بعد ذلك، ﴿ تُشْرِكُونَ ﴾ أي تدعون معه في حال الرفاهية آلهة أخرى، وقوله :﴿ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ لما قال :﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ عقبه بقوله :﴿ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً ﴾ أي بعد إنجائه إياكم كقوله :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُوراً ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ]. قال الحسن : هذه للمشركين، وقال مجاهد : لأمة محمد ﷺ وعفا عنهم، ونذكر هنا الأحاديث الواردة في ذلك.
قال البخاري رحمه الله تعالى : يلبسكم : يخلطكم من الالتباس، يلبسوا : يخلطوا، شيعاً : فرقاً. ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله قال :« لما نزلت هذه الآية :﴿ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ قال رسول الله ﷺ :» أعوذ بوجهك «، ﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ قال :» أعوذ بوجهك « ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ قال رسول الله ﷺ :» هذه أهون - أو - أيسر « ( طريق آخر ) : قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره عن جابر قال :» لما نزلت ﴿ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ قال رسول الله :« أعوذ بالله من ذلك »، ﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ قال رسول الله ﷺ :« أعوذ بالله من ذلك »، ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾ قال :« هذا أيسر » ولو استعاذه لأعاذه. ( حديث آخر ) : قال الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال : أقبلنا مع رسول الله ﷺ حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل فصلى ركعتين، فصلينا معه، فناجى ربه عزَّ وجلَّ طويلاً ثم قال :


الصفحة التالية
Icon