يقول تعالى :﴿ وَكَذَّبَ بِهِ ﴾ أي بالقرآن الذي جئتهم به والهدى والبيان ﴿ قَوْمُكَ ﴾ يعني قريشاً، ﴿ وَهُوَ الحق ﴾ أي الذي ليس وراءه حق، ﴿ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾، أي لست عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم كقوله :﴿ وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [ الكهف : ٢٩ ]، أي إنما عليَّ البلاغ وعليكم السمع والطاعة، فمن اتبعني سعد في الدنيا والآخرة، ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والآخرة، ولهذا قال :﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ﴾ قال ابن عباس : أي لكل نبأ حقيقة، أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين، كما قال :﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ ﴾ [ ص : ٨٨ ] وقال :﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [ الرعد : ٣٨ ]، وهذا تهديد ووعيد أكيد، ولهذا قال بعده :﴿ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾، وقوله :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا ﴾ أي بالتكذيب والاستهزاء ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب ﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان ﴾، والمراد بذلك كل فرد فرد من آحاد الأمة، أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها، فإن جلس أحد معهم ناسياً ﴿ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى ﴾ بعد التذكر ﴿ مَعَ القوم الظالمين ﴾، ولهذا ورد في الحديث :« رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وقال السدي في قوله :﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان ﴾، قال : إن نسيت فذكرت ﴿ فَلاَ تَقْعُدْ ﴾ معهم، وكذا قال مقاتل بن حيان، وهذه الآية هي المشار إليها في قوله :﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ﴾ [ النساء : ١٤٠ ] الآية، أي إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك فقد ساويتموهم فيما هم فيه، وقوله :﴿ وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ أي إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم، قال ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قوله :﴿ وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك، أي إذا تجنبتم وأعرضت عنهم، وقال آخرون : بل معناه : وإن جلسوا معهم فليس عليهم من حسابهم من شيء، وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية وهي قوله :﴿ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ﴾ [ النساء : ١٤٠ ]، قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله :﴿ ولكن ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذٍ تذكيراً لهم عما هم فيه لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه.


الصفحة التالية
Icon