، ولا يلزم منه عدم الثناء، فكذلك هذا. قال ابن عباس ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾ قال : لا يحيط بصر أحد بالملك، وعن عكرمة أنه قيل له :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار ﴾ قال : ألست ترى السماء؟ قال : بلى، قال : فكلها ترى؟ وقال قتادة : هو أعظم من أن تدركه الأبصار، وقال ابن جرير عن عطية العوفي في قوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [ القيامة : ٢٢-٢٣ ] قال : هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره محيط بهم، فذلك قوله :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾.
وقال آخرون في الآية عن عكرمة قال، سمعت ابن عباس يقول : رأى محمد ربه تبارك وتعالى فقلت : أليس الله يقول :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾ الآية فقال لي : لا أمَّ لك، ذلك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. وفي رواية : لا يقوم له شيء، وفي معنى هذا الأثر ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً :« إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النهار، حجابه النور - أو النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه »، وفي الكتب المتقدمة : إن الله تعالى قال لموسى لما سأل الرؤية : يا موسى إنه لا يراني حي إلاّ مات، ولا يابس إلاّ تدهده : أي تدعثر، وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ]، ونفي الإدراك الخاص لا ينفي الرؤية يوم القيامة. يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء، فأما جلاله وعظمته على ما هو عليه تعالى وتقدس وتنزه، فلا تدركه الأبصار. ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تثبت الرؤية في الدار الآخرة، وتنفيها في الدنيا، وتحتج بهذه الآية :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾، فالذي نفته الإدراك الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال على ما هو عليه، فإن ذلك غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشيء. وقوله :﴿ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾ أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها، كما قال تعالى :﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير ﴾ [ الملك : ١٤ ]، وقد يكون عبر بالأبصار عن المبصرين كما قال السدي في قوله :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ﴾ لا يراه شيء وهو يرى الخلائق، وقال أبو العالية ﴿ وَهُوَ اللطيف الخبير ﴾ اللطيف لاستخراجها، الخبير بمكانها، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon