قال بعض النحاة ( لا ) هنا زائدة، زيدت لتأكيد الجحد، كقول الشاعر : ما إن رأيت ولا سمعت بمثله، فأدخل ( إن ) وهي للنفي على ( ما ) النافية لتأكيد النفي، قالوا : وكذا هنا ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ مع تقدم قوله :﴿ لَمْ يَكُنْ مِّنَ الساجدين ﴾ [ الأعراف : ١١ ]، واختار ابن جرير أن ﴿ مَنَعَكَ ﴾ مضمن معنى فعل آخر تقديره : ما ألزمك واضطرك أن لا تسجد إذ أمرتك ونحو هذا، وهذا القول قوي حسن، والله أعلم. وقول إبليس لعنه الله :﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾ من العذر الذي هو أكبر من الذنب، كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول، يعني لعنه الله وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بيّن أنه خير منه بأنه خلق من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، وقاس قياساً فاسداً في مقابلة نص قوله تعالى :﴿ فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ الحجر : ٢٩ ] فشذ من بين الملائكة لترك السجود، فلهذا أبلس من الرحمة أي أويس من الرحمة، فأخطأ قبحه الله في قياسه، ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضاً، فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة، ولهذا خان إبليس عنصره ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة : وفي « صحيح مسلم » عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله ﷺ :« خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم »، وعن عائشة قالت، قال رسول الله ﷺ :« خلق الله الملائكة من نور العرش، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم »، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح :« وخلقت الحور العين من الزعفران » وقال الحسن : قاس إبليس وهو أول من قاس، وعن ابن سيرين قال : أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس، إسناد صحيح أيضاً.


الصفحة التالية
Icon