يقول تعالى : وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحاً كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، وهؤلاء لهم عاد الأولى الذين ذكرهم الله، وهم أولاد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلى العمد في البر، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد * التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ﴾ [ الفجر : ٦-٨ ] وذلك لشدة بأسهم وقوتهم، كما قال تعالى :﴿ فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [ فصلت : ١٥ ] ؟ وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف، فإن هوداً عليه السلام دفن هناك، وقد كان من أشرف قومه نسباً، لأن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شدد خلقهم شديد على قلوبهم، وكانوا من أشد الأمم تكذيباً للحق، ولهذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له وإلى طاعته وتقواه، ﴿ قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ ﴾ - والملأ هو الجمهور والسادة والقادة منهم - ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين ﴾ أي في ضلالة حيث تدعونا إلى ترك عبادة الأصنام والإقبال على عبادة الله وحده، كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد فقالوا :﴿ أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً ﴾ [ ص : ٥ ] ؟ الآية، ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين ﴾ أي لست كما تزعمون، بل جئتكم بالحق من اللهالذي خلق كل شيء فهو رب كل شيء ومليكه، ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾، وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة، ﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ﴾ أي لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولاً من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه، بل احمدوا الله على ذاكم، ﴿ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾، أي واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه، ﴿ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً ﴾ أي زاد طولكم على الناس بسطة أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم، كقوله في قصة طالوت :﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم ﴾ [ البقرة : ٢٤٧ ] ﴿ فاذكروا آلآءَ الله ﴾ أي نعمه ومننه عليكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon