« خرجنا مع رسول الله ﷺ فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله ﷺ لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله ﷺ : خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فنزلت ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾، فقسمها رسول الله ﷺ بين المسلمين، وكان رسول الله ﷺ بين المسلمين »، وكان رسول الله ﷺ إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعاً نفل الثلث، وكان يكره الأنفال. وروى أبو داود والنسائي وابن مردويه واللفظ له، عن عكرمة عن ابن عباس قال :« لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ :» من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا « فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم لو انشكفتم لفئتم إلينا؛ فتنازعوا »، فأنزل الله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال... ﴾ إلى قوله ﴿ وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، وقال الإمام القاسم بن سلام رحمه الله في كتاب ( الأموال الشرعية ) : أما الأنفال فهي المغانم، وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب، فكانت الأنفال الأولى لرسول الله ﷺ، يقول الله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول ﴾ فقسمها يوم بدر على ما أراه الله من غير أن يخمسها، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى، قلت : هكذا روي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي، وقال ابن زيد : ليست منسوخة بل هي محكمة، والأنفال أصلها جماع الغنائم إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنّة. ومعنى الأنفال في كلام العرب : كل إحسان فعله فاعل تفضلاً من غير أن يجب ذلك عليه، فذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم، وإنما هو شيء خصهم الله به تفضلاً منه عليهم، بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها الله تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل.