الآيات، وقال ابن عباس : لما شاور النبي ﷺ في لقاء العدو، وقال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم بدر أمر الناس أن يتهيأو للقتال وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل الله :﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ ﴾، وقال مجاهد : يجادلونك في الحق : في القتال للقاء المشركين. عن عكرمة عن ابن عباس قال، قيل لرسول الله ﷺ حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس بن عبد المطلب وهو أسير في وثاقه : إنه لا يصلح لك، قال : ولم؟ قال : لأن الله عزَّ وجلَّ إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك الله ما وعدك. ومعنى قوله تعالى :﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ ﴾ أي يحبون أن الطائفة التي لا منعة ولا قتال تكون لهم وهي العير، ﴿ وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ﴾ أي هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالباً على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره، وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم.
وقال محمد بن إسحاق رحمه الله :« لما سمع رسول الله ﷺ بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ﷺ يلقى حرباً، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز، يتجسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً على أمر الناس حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك، فاستأجر ( ضمضم بن عمرو الغفاري ) فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشاً، فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة، وخرج رسول الله ﷺ في أصحابه حتى بلغ وادياً يقال له ذفران، فخرج منه، حتى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله ﷺ الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر رضي الله عنه، فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى :﴿ فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [ المائدة : ٢٤ ]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله ﷺ خيراً، ودعا له بخير، ثم قال رسول الله ﷺ :» أشيروا علي أيها الناس « وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا، ونساءنا وكان رسول الله ﷺ يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو قال :» أجل «، فقال : قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا الصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسر رسول الله ﷺ بقول سعد : ونشطه ذلك، ثم قال :» سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم «، وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا، وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف، اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق ».


الصفحة التالية
Icon