وقال مجاهد : أنزل الله عليهم المطر قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الأرض وطابت نفوسهم وثبتت به أقدامهم، وقوله :﴿ لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ أي من حدث أصغر أو أكبر وهو تطهير الظاهر، ﴿ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان ﴾ أي من وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن، كما قال تعالى في حق أهل الجنة ﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ ﴾ ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ [ الإنسان : ٢١ ] أي مطهراً لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهو زينة الباطن وطهارته، ﴿ وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ ﴾ : أي بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء وهو شجاعة الباطن ﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام ﴾ وهو شجاعة الظاهر والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ ﴾ وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها، وهو أنه تعالى لهم ليشكروه عليها، وهو أنه تعالى وتقدس أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه أن يثبتوا الذين آمنوا، قال ابن جرير : أي ثبتوا المؤمنين وقووا أنفسهم على أعدائهم سألقي الرعب والذلة والصغار على من خالف أمري وكذب رسولي، ﴿ فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ أي اضربوا الهام فأفلقوها واحتزوا الرقاب فقطعوها، وقطعوا الأطراف منهم وهي أيديهم وأرجلهم، وقد اختلف المفسرون في معنى ﴿ فَوْقَ الأعناق ﴾ فقيل : معناه اضربوا الرؤوس، قاله عكرمة. وقيل معناه أي على الأعناق وهي الرقاب، قاله الضحاك. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب ﴾ [ محمد : ٤ ] وقال القاسم، قال النبي ﷺ :« إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله، إنما بعثت لضرب الرقاب وشد الوثاق »، وقال الربيع بن أنس : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به، وقوله :﴿ واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾، قال ابن جرير : معناه واضربوا من عدوكم أيها المؤمنون كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم، والبنان جمع بنانه كما قال الشاعر :

ألا ليتني قطعت مني بنانة ولاقيته في البيت يقظان حاذراً
وقال ابن عباس :﴿ واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ يعني بالبنان الأطراف، وقال السدي : البنان الأطراف، ويقال كل مفصل، وقال الأوزاعي : اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار فإذا أخذته حرم ذلك كله عليك، وقال العوفي عن ابن عباس فأوحى الله إلى الملائكة :﴿ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ ﴾ الآية، فقتل أبو جهل لعنه الله في تسعة وستين رجلاً، وأسر عقبة بن أبي معيط، فقتل صبراً فوفى ذلك سبعين يعني قتيلاً، ولهذا قال تعالى :﴿ ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾ أي خالفوهما، فساروا في شق، وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق، ومأخوذ أيضاً من شق العصا وهو جعلها فرقتين ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب ﴾ أي هو الطالب الغالب لمن خالفه وناوأه لا يفوته شيء، ولا يقوم لغضبه شيء تبارك وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه، ﴿ ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار ﴾ هذا خطاب للكفار، أي ذوقوا هذا العذاب والنكال في الدنيا واعلموا أيضاً أن للكافرين عذاب النار في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon