وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراماً على الصحابة، لأن الجهاد كان فرض عين عليهم، وقيل : على الأنصار خاصة لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقيل : المراد بهذه الآية أهل بدر خاصة. وحجتهم في هذا أنه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها إلا عصابتهم تلك كما قال النبي ﷺ :« اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض »، ولهذا قال الحسن في قوله :﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ قال : ذلك يوم بدر، فأما اليوم فإن انحاز إلى فئة أو مصر فلا بأس عليه، وقال ابن المبارك عن يزيد بن أبي حبيب : أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار، قال :﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله ﴾، فلما كان يوم أُحد بعد ذلك قال :﴿ إِنَّ الذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان... ﴾ [ آل عمران : ١٥٥ ]، إلى قوله :﴿ وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٥ ]، ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين، قال :﴿ ثُمَّ وليِتُم مدبرين * ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ ﴾ [ التوبة : ٢٧ ]. وعن أبي سعيد أنه قال في هذه الآية :﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ إنما أنزلت في أهل بدر، وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر وإن كان سبب نزول الآية فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير، والله أعلم.