إن القصص في القرآن لم تأت متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب التاريخ، لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع، وهو بالخطابة أشبه. لأن سوق القصة في القرآن في مناسباتها يكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان، كما نجد من مميزات قصص القرآن نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص، مثل قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلَ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ﴾ فقد حكيت مقالته هذه هنا في موقع التذكير ولم تحك أثناء قوله :﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ وقوله :﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اِغْدُوا عَلَى حَرِثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ﴾.
كذلك من مميزات القصص القرآني طي ما يقتضيه الكلام الوارد كما في قوله تعالى في سورة يوسف :﴿ وَاِسْتَبَقَا البَابَ ﴾، إذ طوي ذكر حضور سيدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه، فإسراعهما جميعا للباب لقطع الشبهة من جهة يوسف - عليه السلام - والسبق للشكاية من جهة امرأة العزيز يدل عليه ما بعده من قوله تعالى :﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابَ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ﴾.
فالقصص القرآني جاء بأسلوب بديع في مظان الاتعاظ به مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع، وقد جمع من ذلك عشر فوائد :
؟ الفائدة الأولى : أن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم، فكان اشتمال القرآن على تلك القصص التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم من أهل الكتاب تحديا عظيما لأهل الكتاب، وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين.


الصفحة التالية
Icon