ترتيب الآي : وأما ترتيب الآي بعضها عقب بعض فهو بتوقيف النبي - ﷺ - حسب نزول الوحي، وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه الإعجاز من بداعة أسلوبه. على أن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها. فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقوية أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طرق النجاح وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة، فكانت آيات القرآن مستقلا بعضها عن بعض، لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك، فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد أو تقويم معوج.
وقوف القرآن : الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة، وعلى كل حال لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في أرجوزته، ولكن الوقف ينقسم إلى أكيد حسن ودونه وكل ذلك تقسيم بحسب المعنى. وبعضهم استحسن أن يكون الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى ساكتا وهو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف، فاللغة العربية وسياق الكلام حارس من الفهم المخطئ، مثل ما في قوله تعالى :﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ﴾ فلو وقف القارئ على قوله ﴿ الرَّسُولَ ﴾ لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله ﴿ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ﴾ تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله ﴿ رَبِّكُمْ ﴾ فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.


الصفحة التالية
Icon