ويفرق الشيخ ابن عاشور بين البلاغة والأدب ويعيب على من خلط بينهما، ليبدأ حديثه حول أصول ونكت أغفلها من تقدموا ممن تكلموا في إعجاز القرآن وتبيين علاقة هذه المقدمة بالتفسير فيقول أن مفسر القرآن لا يعد تفسيره لمعاني القرآن بالغا حد الكمال في غرضه ما لم يكن مشتملا على بيان دقائق من وجوه البلاغة في آيه المفسرة. فالمفسر بحاجة إلى بيان ما في آي القرآن من طرق الاستعمال العربي وخصائص بلاغته لألا يعتبر المعرض عن ذلك بمنزلة المترجم لا بمنزلة المفسر.
يقول فمن أعجب ما نراه خلو معظم التفاسير عن الاهتمام بالوصول إلى هذا الغرض الأسمى – خصائص البلاغة وطرق الاستعمال العربي- إلا عيون التفاسير، واعتبر المقل في ذلك أمثال " معاني القرآن" لأبي إسحاق الزجاج، و"المحرر الوجيز" للشيخ عبد الحق بن عطية الأندلسي، والمكثر فيه كما هو معروف عند تفسير "الكشاف" للزمخشري. ولم يعذر التفاسير الخالية من هذه المعاني إلا من نحا ناحية خاصة من معاني القرآن مثل أحكام القرآن، ووصف أصحاب بعض التفاسير ممن لم يغفلوا عن الاهتمام بهذه الفنون بأصحاب الهمم العالية أمثال "أحكام القرآن" لإسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البغدادي، وفي مواضع من "أحكام القرآن" لأبي بكر بن العربي.


الصفحة التالية
Icon