ثم إن الحديث عن فهم القرآن وتدبره ليس معناه أن المسلم يجعل من نفسه مفسرًا، يتكلم في معنى كل آية، دون نظر في تفاسير أهل العلم، وفهمها الفهم الصحيح؛ لأن التفسير معناه بيان مراد الله، وهذا مقام خطير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار))(١)، وقال أبو بكر الصديق: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم؟"، وعن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن: ﴿يوم كان مقداره ألف سنة﴾ فقال له ابن عباس فما: ﴿يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾ ؟ فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: "هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما"، فكرِه أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم، وعن عبيد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: "إذا حدثتَ عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده"، وعن إبراهيم قال: "كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه"، وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: قال الشعبي: "والله ما من آية إلا وقد سَأَلتُ عنها، ولكنها الرواية عن الله"، وقال مسروق: "اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله".
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف تدل على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، أو أن يقولوا فيه برأيهم، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج عليه(٢).
٥- الاختلاف في الفهم والتفسير..
قد يقع اختلاف في فهم الآية، وتجد عددًا من الأقوال في كتب التفسير، فلا تدري أي المعاني هو المراد، فتظن أنك لم تفهم المقصود من الآية، ولإزالة هذا الإشكال لا بد أن نبين أمرين مهمين:
(٢) انظر: مقدمة ابن تيمية في التفسير، مجموع الفتاوى (١٣/٣٧٤).