ومن الأمثلة: ما رواه أبو معشر نجيح قال: سمعت سعيد المقبُري يذاكر محمد بن كعب القُرَظي، فقال سعيد: "إن في بعض كتب الله: إن لله عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبِر، لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله: على تجترؤون، وبي تغترون؟! وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران"، فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله، فقال سعيد: وأين هو في كتاب الله؟ قال: قول الله تعالى: ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد﴾، قال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت؟ فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد(١).
٧- الحذف يفيد تعميم المعنى المناسب(٢).
في بعض الآيات يذكر الله تعالى فعلاً من الأفعال، أو ما في معنى الفعل، ثم يحذف متعلقه، فيفيد ذلك تعميم المعنى المناسب للمقام.
ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿ألهاكم التكاثر﴾ فحذف المتكاثر به؛ ليعم جميع ما يقصد الناس فيه المكاثرة، من الرياسات والأموال والجاه والضيعات والدور والقصور، والأولاد، والعلم الذي يراد به الترفع على الناس لا العمل به.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (٢٠١)﴾ [سورة الأعراف ٧/٢٠١]، فهم مبصرون ماذا؟ سكت عن ذلك وحذفه؛ ليفيد أنهم أبصروا من أين جاءهم مس الشيطان، والأمر الذي يكون به التخلص من الذنب، وحقيقة الشيطان وحرصه على إغوائهم، وأنه لا يصلهم منه إلا الشر.

(١) انظر: تفسير ابن جرير (٤/٣١)؛ تفسير ابن كثير (١/٢٤٦).
(٢) انظر: القواعد الحسان، القاعدة ١٤.


الصفحة التالية
Icon