الفريق الثالث: توسط في هذا الجانب، ورأى أن الاكتشافات الحديثة إذا صحت فإنها تعين على فهم بعض الآيات، وترشد إلى المعنى المراد مما ذكره أهل العلم قبل ذلك، ولكنهم لا يتعلقون بها تعلق الفريق الثاني، ولا ينكرونها إنكار الفريق الأول، ويستخدمونها سلاحًا للدعوة، ويقولون: إن كان ما دل عليه الاكتشافات الحديثة مما لا يخالف ما فسر أهل العلم به كتاب الله، إما لأنه وجد ما يدل عليه من كلامهم، أو أنه يدل على معنى جديد لا يصادم كلامهم، فهو مقبول، وإن كان يخالف ما فسره به السلف فإنه لا يقبل.
ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق في ظلمات ثلاث﴾؛ فإن العلم الحديث اكتشف هذه الظلمات، وهي موجودة في كتاب الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ (١٠) جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ (١١)﴾ [سورة ص ٣٨/١٠-١١].
قال الشنقيطي في أضواء البيان(١): "يفهم منه أن لو تستطيع جند من الأحزاب الارتقاء في أسباب السماء، أنه يرجع مهزومًا صاغرًا داخرًا ذليلاً...
ومعلوم أنها لم يفسرها بذلك أحد من العلماء، بل عبارات العلماء تدور على أن الجند المذكور هو الكفار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم، وأنه ﷺ سوف يهزمهم، وأن ذلك تحقق يوم بدر، أو يوم فتح مكة، ولكن كتاب الله لا تزال تظهر غرائبه، وعجائبه وغرائبه متجددة على مر الليالي والأيام... ، ولا مانع من حمل الآية على ما حملها عليه المفسرون، وما ذكرنا أيضًا أنه يفهم منها؛ لما تقرر عند العلماء من أن الآية إن كانت تحتمل معاني كلها صحيح تعين حملها على الجميع".
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله...
وكتبه: عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين.