إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين وسلكوا طريقين الفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية وقنعوا برفع هذه الراية والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية وما تفيده العلوم الآلية ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا وإن جاءوا بها لم يصححوا لها أساسا وكلا الفريقين قد أصاب وأطال وأطاب وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب وترك منها ما لا يتم بدونه كمال الإنتصاب فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله - ﷺ - وإن كان المصير إليه متعينا وتقديمه متحتما غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان وأما ما كان منها ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها كعلم المعاني والبيان فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا تفسير بمحض الرأي المنهي عنه وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال قال أبو الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها وأخرج ابن سعد أن عليا قال لابن عباس


الصفحة التالية
Icon