الشيء في صدره، أكنه. والجنة: البستان والجان: جنس من الحيات، والجن: عالم من المخلوقات العالقة لا تدركه حواس الإنسان، والجِنة جماعة الجن، والجنة الملائكة لاختفائهم عن الأبصار، والجُنة بضم الجيم: السترة والوقاية، كما عرفت اللغة الجنين والجنون والمجنون. إذن فمن مفاهيم (اللغة) للجن أنهم عالم لا يدرك بحاسة البصر ولا بغيرها من الحواس١ وهذا ما تقوله كتب اللغة باتفاق تام، وقد أوضح القرآن بعض اعتقادات العرب في الجن وانتقد ما فيها من باطل، وأرشد إلى الحق، فمن ذلك ما جاء في سبب نزول الآية ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً﴾ أن أهل الجاهلية كانوا إذا نزلوا بواد ليلا استعاذوا بسيد الوادي من شر سفهائه٢، وكان العربي يطلق صوته بهذه الاستعاذة وهو يخاطب عالما غير منظور مستعيذا بزعيمه من شر سفهائه كما يستجير الغريب النازل بقبيلة من العرب بسيد القبيلة طالبا حمايته. ويحسن بعد هذا أن نأخذ في الرد على (نظرية) الدكتور في الجن يقول:
في الموضع الأول: "إن الجن ورد في آية الأحقاف: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ﴾ بمعنى فريق من الناس غير معهود للرسول ﷺ فهل يصح أن يسمى الإنسان من يقابلهم لأول مرة جنا؟ وإذا كان هذا الإطلاق سائغا فلماذا لم نجده في كلام العرب وأشعارهم؟ وكيف يكون الفريق المذكور من الأوس والخزرج وهما القبيلتان المعروفتان المشهورتان في جزيرة العرب وخارجها ومع ذلك يصح أن يطلق على وفدهما لفظ الجن؟ ولماذا لم يطلق على غيرهما من وفود العرب الذين التقى بهم الرسول ﷺ ودعاهم للإسلام مع أن هذه الوفود لم تكن في مستوى الأوس والخزرج مكانة ولا شهرة؟! على أن تفسير الدكتور ((للجن)) في هذه الآية لا يقره المفسرون الأقدمون ولا المحدثون فكيف يكون تأويله وحده هو الصحيح، ويكون تأويل كل المفسرين باطلا؟ فالمراد بالجن هنا عالم المخلوقات التي لا نراها والتي حدثنا عنها الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة. وهذا المعنى للجن مما تعارفت عليه لغة العرب بل وعقائدهم، فعلام يستند الدكتور في نفيه لوجود الجن؟ أعلى أنه لا يراهم؟ وهل تعتبر الرؤيا دليلا حاسما على وجود الشيء أو عدمه؟ وهل يقر الدكتور ((بموضوعية)) هذا المنهج القائم على إنكار وجود كل ما لا يرى والدكتور في تفسيره يعترف بوجود الملائكة فهل رأى الدكتور يوما واحدا منهم؟ أما الموضع الثاني والذي يقول غيه الدكتور: إن المراد بالجنة – بكسر الجيم - في قوله تعالى:
٢ ابن كثير في تفسير سورة الجن والطبري أيضا.