فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} (النمل ٣٨ -٤٢).
وهذه الآيات الكريمة بينات واضحات ومن الكلام المستساغ فيها أن يقول المرء إن الشرح والتفسير لا يزيدها إلى قليلا. ولكن الدكتور أخذ على نفسه أن يدخلنا في معميات تأويله حتما عليه حتى يتمكن من تنسيق معاني الآيات مع ما ذهب إليه – مسبقا - من تحريف في معنى ((الجن)) فما دام العفريت من الجن يعني – لديه - (واحد من الأقوياء واسع الحيلة شديد الدهاء من غير الظاهرين في ملأ سليمان عليه الصلاة والسلام) ما دام الجن يفسر عنده بالإنسان غير معهود فكيف يكون معنى عرش الملك كما هو لابد إذن أن يتغير معنى العرش إلى معنى يفتن الدكتور في ابتكاره واختراعه فماذا يكون العرش الذي طلب سليمان عليه السلام من أصحاب الرأي عنده الإتيان به وعلى وجه السرعة؟ إنه لا يعدو لدى الدكتور أن يكون خريطة ترسم لمملكة سبأ ولندع عبارة الدكتور تكشف عن المراد بالعرش يقول: "وطلب – إلى أصحاب الرأي عنده - وضع خريطة تصور مملكة بلقيس كي يستعد لغزوها طلب وضع هذه الخريطة وأن تكون جاهزة عنده قبل أن يأتيه الرد منها على رسالته الثانية بالخضوع والقبول" انتهى كلامه. وإذا كان المراد بعرش بلقيس خريطة يقوم برسمها مهندس فما معنى اهتمام سيدنا سليمان بسرعة الإتيان بهذا الرسم قبل أن تأتيه بلقيس وقومها مسلمين؟! وأي إعجاز ستلمسه بلقيس في صورة لعرش تستمتع هي بالفعل بالجلوس عليه؟! وهل تبهر الصورة من يستمتع بحقيقة الشيء المصوّر؟ إن الذي سيبهرها حقا هو أن تجد أمامها عرشها الذي خلفته وراءها بذاته أن تجده قد سبقها إلى سليمان دون علم منها أو إرادة، هذا هو الشيء الخارق المعجز ولذلك كانت دهشتها واضحة فيما حكاه الله عنها ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾.
ويحق لنا أن نتساءل أيضا عن سر التسابق – في اختصار الزمن - بين العفريت من الجن والذي عنده علم من الكتاب أي معنى لهذا التسابق لو كان الأمر المطلوب لا يعدو أن يكون ((خريطة)) ترسم. ثم ما معنى (القوة) والأمانة اللتين وصف بهما العفريت نفسه في قوله تعالى حكاية عنه: ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ فهل يحتاج ((رسم)) الخرائط إلى قوة عظيمة وصيانة ومحافظة ((حتى لا تقع خطوط الرسم وتنكسر الزوايا والمنحنيات)) ؟ لو كان ((العرش)) خريطة كما يزعم الدكتور لكان المناسب أن يقول هذا العفريت وإني لرسام ماهر أو مهندس بارع أو ذكي لماح أو دكتور... في علم الخرائط. ثم إن التسابق في اختصار


الصفحة التالية
Icon