قولُه ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر﴾ فإنَّه لم يختلف في رفعِه قالوا لأنَّ نصبَه يُؤدَّي إلى فسادِ المعنى لأنَّ الواقعَ خلافُه، وذلك أنَّك لو نَصَبْتَه لكان التقديرُ: فعلوا كلَّ شيءٍ في الزبُر، وهو خلافُ الواقع؛ إذ في الزُّبُر أشياءُ كثيرةٌ جداً لم يفعلوها. وأمَّا قراءةُ الرفعِ فتؤَدِّي أنَّ كلَّ شيءٍ فعلوه هم، ثابتٌ في الزُبُر وهو المقصود فلذلك اتُّفِقَ على رفعِه، وهذان الموضعان مِنْ نُكَتِ المسائلِ العربيةِ التي اتَّفق مجيئُها في سورةٍ واحدةٍ في مكانَيْن متقاربين ومما يَدُلُّ على جلالةِ علمِ الإِعراب وإفهامهِ المعانيَ الغامضةَ. والجاهلون لأهل العلم أعداءٌ.
وقرأ العامَّةُ «مُسْتَطَرٌ» بتخفيف التاءِ من السَّطر وهو الكَتْبُ، أي: مُكْتَتب. وقرأ الأعمش وعمران بن حدير وتُرْوَى عن عاصم بتشديدها. وفيه وجهان. أحدهما: أنه مشتقٌ مِنْ طَرَّ الشاربُ والنبات، أي: ظهر ونَبَتَ، بمعنى: أنَّ كلَّ شيءٍ قلَّ أو كثُر ظاهرٌ في اللوح غيرُ خفي، فوزنُه مُسْتَفْعَل كمُسْتَخْرج. والثاني: أنَّه من الاستطار، كالقراءة العامة وإنما شُدِّدَت الراءُ من أجل الوقفِ كقولهم: «هذا جَعْفَرّْ وفَرَجّْ» ثم أُجري الوصلُ مُجرى الوقف فوزنه مُفْتَعَلَ كقراءة الجمهور.
قوله: ﴿نَهَرٍ﴾ : العامةُ بالإِفرادِ وهو اسمُ جنسٍ بدليل مقارنتِه للجمع، والهاء مفتوحةٌ كما هو الفصيح، وسَكَّنها مجاهد