وفي ذلك فائدتان، إحداهما: التنبيهُ على كثرةِ شُرْبهم منه والثاني: عَدمُ جَدْوَى الشُّرْب، وأن المشروبَ لا يَنْجَعُ فيهم كما لا يَنْجَعُ في الهِيْم على التفسيرَين.
وقال الشيخ: «والفاءُ تقتضي التعقيبَ في الشُّرْبَيْنِ، وأنهم أولاً لمَّا عَطِشوا شَرِبوا من الحميم، ظَنّاً منهم أنه يُسَكِّنُ عَطَشَهُم، فازداد العطشُ بحرارةِ الحميمِ، فشربوا بعده شُرْباً لا يقع بعدَه رِيٌّ أبداً. وهو مِثْلُ شُرْبِ الهيم فهما شُربان مِنَ الحَميم لا شُرْبٌ واحدٌ، اختلفَتْ صفتاه فَعَطف. والمشروبُ مِنْه في ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم﴾ محذوفٌ لفَهْمِ المعنى تقديرُه: فشاربون منه» انتهى. والظاهرُ أنه شُرْبٌ واحدٌ بل الذي نعتقدُ هذا فقط، وكيف يُناسِبُ أَنْ تكونَ زيادتُهم العطشَ بشُرْبِه مقتضيةً لشُرْبِهم منه ثانياً؟
وقرأ العامَّةُ «نُزُلُهم» بضمتين. ورُوي عن أبي عمروٍ من طُرُق، وعن نافعٍ وابنِ محيصنٍ بضمةٍ وسكونٍ، وهو تخفيفٌ. وقد تقدَّم أن النُّزُلَ ما يُعَدُّ للضيفِ. وقيل: هو أولُ ما يأكلُه فسُمِّي به هذا تهكُّماً بمَنْ أُعِدَّ له، وهو في المعنى كقولِ أبي السعر الضَّبِّي:
٤٢١٧ - وكُنَّا إذا الجبَّارُ أَنْزَلَ جَيْشَه | جَعَلْنَا القَنا والمُرْهَفاتِ له نُزْلا |