مع المخاطبِ الغائبَ غَلَّبْته [عليه] فجعَلْتَ ضميرَهما معاً على لفظِ المخاطبِ». وتقدَّم الخلافُ في واو «وقود» ضماً وفتحاً في البقرة.
قوله: ﴿مَآ أَمَرَهُمْ﴾ يجوز أَنْ تكونَ «ما» بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي ما أَمَرَهموه، والأصلُ: به. لا يُقال: كيف حَذَفَ العائدَ المجرورَ ولم يَجُرَّ الموصولَ بمثله؟ لأنه يَطَّردُ حَذْفُ هذا الحرفِ فلم يُحْذَفْ إلاَّ منصوباً، وأن تكونَ مصدريةً، ويكونَ مَحَلُّها بدلاً من اسمِ الله بدلَ اشتمالٍ، كأنه قيل: لا يَعْصُون أَمْرَه.
وقوله: ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾ قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: أليسَتْ الجملتان في معنى واحدٍ؟ قلت: لا؛ لأن الأولى معناها: أنهم يتقبَّلون أوامرَه ويلتزمونها، والثانيةَ معناها: أنهم يُؤَدُّون ما يؤمرون به، لا يتثاقلون عنه ولا يَتَوانَوْن فيه».
قوله: ﴿نَّصُوحاً﴾ : قرأ الجمهور بفتحِ النونِ، وهي صيغةُ مبالغةٍ، أسند النصحَ إليها مجازاً، وهي مِنْ نَصَح الثوبَ أي: خاطه، وكأنَّ التائبَ يُرَقِّع ما خرقه بالمعصية. وقيل: مِنْ قولِهم: «عسلٌ ناصِح» أي خالص. وأبو بكر بضم النون وهو مصدرٌ ل نَصَحَ يقال: نَصَحَ نُصْحاً ونُصوحاً نحو: كَفَرَ كُفْراً وكُفوراً، وشَكَر شُكراً وشُكوراً. وفي انتصابِه أوجهٌ، أحدُها: أنه مفعولٌ له أي: لأجلِ النصحِ الحاصلِ


الصفحة التالية
Icon