فذاكَ أمانةَ اللَّهِ الثِّريدُ
ومُنعَ الصَّرْفَ لِما تقدَّم، وهذا أحسنُ لعَطْفِ «والقلمِ» على مَحَلِّه.
قوله: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ «ما» موصولةٌ اسميةٌ أو حرفية، أي: والذي يَسْطُرونه مِنَ الكُتُب، وهم: الكُتَّابُ أو الحَفَظُة من الملائكة وسَطْرِهم. والضميرُ عائدٌ على مَنْ يُسَطِّرُ لدلالةِ السياقِ عليه. ولذِكْرِ الآلةِ المُكْتَتَبِ بها. وقال الزمخشري: «ويجوزُ أَنْ يُرادَ بالقلمِ أصحابُه، فيكون الضميرُ في» يَسْطُرون «لهم» يعني فيصيرُ كقولِه: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ﴾ [النور: ٤٠] تقديرُه: أو كذي ظُلُماتٍ، فالضميرُ في «يَغْشاه» يعود على «ذي» المحذوف.
قوله: ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ : قد تقدَّم نظيرُ هذا في الطور في قولِه ﴿فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ﴾ [الطور: ٢٩] وتقدَّم تحقيقُه. إلاَّ أن الزمخشريَّ قال هنا: «فإنْ قلتَ: بِمَ تتعلَّقُ الباءُ في» بنعمة ربك «وما محلُّه؟ قلت: تتعلَّق بمجنون منفياً، كما تتعلَّقُ بعاقل مثبتاً كقولك:» أنت بنعمةِ اللِّهِ عاقلٌ «، مستوياً في ذلك الإِثباتُ والنفيُ استواءَهما في قولِك:» ضَرَبَ زيدٌ عَمْراً «و» ما ضَرَبَ زيدٌ عمراً «تُعْمِلُ الفعلَ منفياً ومثبتاً إعمالاً واحداً. ومحلُّه النصبُ على الحالِ، كأنه قال: ما أنت مجنونٌ مُنْعِماً عليكَ بذلك، ولم تَمْنَع الباءُ أَنْ يعملَ» مجنون «فيما قبلَه لأنها زائدةٌ لتأكيدِ النفي».


الصفحة التالية
Icon