ومِعَىً جِياعاً
قوله: ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ﴾ : يجوزُ فيه وجهان، أحسنُهما، الرفعُ بفعلٍ مضمرٍ على الاشتغالِ، وإنما كان أحسنَ لتقدُّمِ طالبِ الفعلِ، وهو أداةُ الاستفهامِ. والثاني: الرفعُ على الابتداءِ. ولقائلٍ أَنْ يقولَ: يتعيَّنُ هنا الرفعُ بإضمارِ فعلٍ لمَدْركٍ آخر: وهو أنَّه قد عُطِفَ ب «أم» فِعْلٌ، فإذا أَضْمَرْنا الفعلَ رافِعاً كُنَّا قد عَطَفْنا جملةً فعليةً على مِثْلِها بخلافِ رفعِه بالابتداءِ، فإنَّه حينئذٍ يُخْرِجُ «أم» عن كونِها عاطفةً إلى كونِها منقطعةً، إلاَّ بتأويلٍ بعيدٍ: وهو أنَّ الأصلَ: أشرٌّ أُريد بهم أم خيرٌ، فوَضَعَ قولَه ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ﴾ موضعَ «خيرٌ» وقولَه «أشرٌ» سادٌّ مَسَدَّ مفعولَيْ «ندري» بمعنى أنه مُعَلِّقٌ له، وراعى معنى «مَنْ» في قولِه ﴿بِهِمْ رَبُّهُمْ﴾ فجَمَعَ.
قوله: ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ : فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ «دونَ» بمعنى «غير»، أي: ومِنَّا غيرُ الصالحين، وهو مبتدأٌ، وإنما فُتِحَ لإِضافتِه إلى غيرِ متمكِّنٍِ، كقوله: ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] فيمَنْ نَصَبَ على أحدِ الأقوالِ، وإلى هذا نحا الأخفشُ. والثاني: أنَّ «دونَ» على بابِها من الظرفية، وأنها صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: ومنا فريقٌ أو فوجٌ دونَ ذلك وحَذْفُ الموصوفِ مع «مِنْ» التبعيضيَّةِ يَكْثرُ كقولِهم: منا ظَعَنَ ومنَّا أقام، أي: مِنَّا فريقٌ. والمعنى: ومِنَّا صالحون دونَ أولئك في الصَّلاح.


الصفحة التالية
Icon