قوله: ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ يجوزُ في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها حالٌ مِنْ فاعل» خَلَقْنا «، أي: خَلَقْنا حالَ كونِنا مُبْتَلِين له. والثاني: أنَّها حالٌ من» الإنسان «، وصَحَّ ذلك لأنَّ في الجملة ضميرَيْن كلٌّ منهما يعودُ على ذي الحال. ثم هذه الحالُ يجوزُ أَنْ تكونَ مقارِنَةً إنْ كان المعنى ب» نَبْتَليه «: نُصَرِّفُه في بطنِ أمِّه نُطْفَةً ثم عَلَقَةً. وهو قولُ ابن عباس، وأَنْ تكونَ مقدرةً إنْ كان المعنى ب» نَبْتَليه «: نَخْتَبره بالتكليفِ؛ لأنَّه وقتَ خَلْقِهِ غيرُ مكلَّفٍ. وقال الزمخشري:» ويجوزُ أَنْ يكونَ المرادُ: ناقلين له مِنْ حالٍ إلى حالٍ، فُسُمِّي ذلك ابتلاءً على طريق الاستعارةِ «. قلت: هذا هو معنى قولِ ابنِ عباس المتقدَّمِ. وقال بعضُهم:» في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ. والأصلُ: إنَّا جَعَلْناه سميعاً بصيراً نَبْتَليه، أي: جَعَلْنا/ له ذلك للابْتلاءِ «وهذا لا حاجةَ إليه.
قوله: ﴿إِمَّا شَاكِراً﴾ :«شاكراً» نصبٌ على الحال، وفيه وجهان، أحدُهما: أنه حالٌ مِنْ مفعولِ «هَدَيْناه»، أي: هَدَيْناه مُبَيَّناً له كلتا حالتيه. قال أبو البقاء: «وقيل: هي حالٌ مقدرةٌ». قلت: لأنه حَمَلَ الهدايةَ على أولِ البيانِ له، و [هو] في ذلك الوقتِ غيرُ مُتَّصِفٍ بإحدى الصفتَيْنِ. والثاني: أنه حالٌ من «السبيل» على المجاز. قال الزمخشري: «ويجوزُ أن يكونا حالَيْن من» السبيل «، أي: عَرَّفْناه السبيلَ إمَّا سبيلاً شاكِراً، وإمَّا سبيلاً كَفُوراً كقوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد: ١٠] فوصفَ السبيلَ بالشُّكْرِ والكُفْر مجازاً.