أي: رآه نازلاً نَزْلة أخرى»، وإليه ذهب الحوفيُّ وابنُ عطية. والثالث: أنه منصوبٌ على المصدرِ المؤكِّد، فقدَّره أبو البقاء: «مرةً أخرى أو رُؤْيةٌ أخرى». قلت: وفي تأويلِ «نَزْلَةً» برؤية نظرٌ. و «أخرى» تَدُلُّ على سَبْقِ رؤيةٍ قبلها.
قوله: ﴿عِندَ سِدْرَةِ﴾ : ظرفٌ لِرَآه و «عندها جنةُ» جملةٌ ابتدائيةٌ في موضعِ الحالِ. والأحسنُ أَنْ يكونَ الحالُ الظرفَ، و «جَنَّةُ المَأْوى» فاعلٌ به. والعامَّةُ على «جنَّة» اسمٌ مرفوعٌ. وقرأ أمير المؤمنين وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر بن حبيش ومحمد بن كعب «جَنَّة» فعلاً ماضياً. والهاء ضميرُ المفعول يعود للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والمَأْوَى فاعلٌ بمعنى: سَتَره إيواءُ اللَّهِ تعالى. وقيل: المعنى: ضَمَّه المبيتُ والليلُ. وقيل: جَنَّه بظلالِه ودَخَلَ فيه. وقد رَدَّت عائشةُ رضي الله عنها هذه القراءةَ وتبعها جماعةٌ وقالوا: «أجَنَّ اللَّهُ مَنْ قرأها»، وإذا ثبتت قراءةً عن مثلِ هؤلاء فلا سبيلَ إلى رَدِّها، ولكنِّ المستعملَ إنما/ هو أَجَنَّه رباعياً، فإن استعمل ثلاثياً تَعَدَّى ب «على» كقولِه ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل﴾ [الأنعام: ٧٦]. وقال أبو البقاء: «وهو شاذٌّ والمستعملُ أجنَّه». وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادةِ في الأنعام. و «إذ يَغْشَى» منصوبٌ ب رآه. وقولُه: «ما يَغْشَى» كقولِه: ﴿مَآ أوحى﴾ [النجم: ١٠].


الصفحة التالية
Icon