قوله: ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ جوابُها محذوفٌ تقديرُه: لكان تحصيلُ المثوبةِ خيراً، أي تحصيلُ أسبابِها من الإِيمانِ والتقوى، وكذلك قَدَّرَه، بعضُهم: لآمنوا. وفي مفعولِ «يَعْلَمُون» وجهان: أحدُهما: أنه محذوفٌ اقتصاراً أي: لو كانوا من ذوي العلمِ، والثاني: أنه محذوفٌ اختصاراً، تقديرُه: لو كانوا يَعْلمون التفضيلَ في ذلك، أو يعلمونَ أنَّ ما عند الله خيرٌ وأَبْقَى.
قوله تعالى: ﴿لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا﴾ : الجمهورُ على «راعِنا» أمرٌ من المُراعاة، وهي النظرُ في مصالحِ الإِنسانِ وتَدَبُّرِ أمورِه، و «راعِنا» يقتضي المشاركةَ لأنَّ معناه: ليكن منك رعايةٌ لنا وليكن منا رعايةٌ لك، فَنُهوا عن ذلك لأنَّ فيه مساواتِهم به عليه السلام. وقرأ الحسنُ وأبو حَيْوَة: «راعِناً» بالتنوين، ووجهُه أنه صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: قولاً راعناً، وهو على طَريقِ النَسَب كلابن وتامر، والمعنى: لا تقولوا قولاً ذا رُعونة. والرُّعونة: الجَهْل والحُمْق والهَوَج، وأصلُ الرُّعونة: التفرُّقُ، ومنه: «جَيْشٌ أَرْعَنُ» أي: متفرِّقٌ في كل ناحية، ورجلٌ أَرْعَنُ: أي ليس له عَقْلٌ مجتمعٌ، وامرأةٌ رَعْنَاءٌ، وقيل للبَصْرةِ: الرَّعْناء، قال:

٧٦٦ - لولا ابنُ عُتْبَةَ عمروٌ والرجاءُ له ما كانَتِ البصرةُ الرَّعْناءُ لي وَطَنا
قيل: سُمِّيت بذلك لأنها أَشْبَهت «رَعْنَ الجبلِ» وهو الناتِيءُ منه، وقال ابن فارس: «يقال: رَعَن الرجلُ يَرْعَنُ رَعَناً». وقرأ أُبَيّ: راعُونا، وفي مصحف عبد الله كذلك، خاطَبوه بلفظِ الجمعِ تعظيماً، وفي مصحفِ عبدِ الله أيضاً، «ارْعَوْنا» لِما تقدَّم. والجملةُ في محل نصبٍ بالقول، وقَدَّم النهيَ على الأمرِ لأنه من باب التروك فهو أَسْهَلُ.


الصفحة التالية
Icon