غيرِه فَيَلْزَمُ مِنْ تقديرِه ذلك أن وَدَادَتَهُم ذلك لم تَقَعْ، لأن الموجَبَ لفظاً منفيٌّ معنىً، والغرضُ أن ودَادَتَهم ذلك واقعةٌ باتفاقٍ، فتقديرُ: لَسُرُّوا ونحوِه هو الصحيحُ. و «يَرُدُّ» هنا فيه قولان، أحدُهما - وهو الواضحُ - أنها المتعديةُ لمفعولين بمعنى صَيَّر، فضميرُ المخاطبين مفعولٌ أَوَّلُ، و «كفاراً» مفعولٌ ثانٍ، ومِنْ مجيء رَدَّ بمعنى صَيَّر قوله:

٦٧٦ - رمى الحَدَثانُ نسوةَ آلِ حربٍ بمِقْدارٍ سَمَدْنَ له سُمودا
فَرَدَّ شعورَهُنَّ السُّودَ بيضاً وَرَدَّ وجوهَهُنَّ البِيضُ سُودا
وجَعَلَ أبو البقاء «كفاراً» حالاً من ضميرِ المفعولِ على أنَّها المتعديةُ لواحدٍ، وهو ضعيفٌ لأنَّ الحالَ يُسْتَغْنى عنها غالباً، وهذا لا بُدَّ منه.
و «مِنْ بعدِ» متعلِّقٌ بيَرُدُّونكم، و «مِنْ» لابتداءِ الغاية.
قوله: ﴿حَسَداً﴾ نصبٌ على المفعولِ له، وفيه الشروطُ المجوِّزة لنصبِه، والعاملُ فيه «وَدَّ» أي: الحاملُ على ودَادَتِهم رَدَّكم كفاراً حَسَدُهم لكم. وجَوَّزوا فيه وجهين آخرين، أحدُهما: أنه مصدرٌ في موضعِ الحالِ، وإنما لم يُجْمَعْ لكونِه مصدراً، أي: حاسِدِين، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ مجيءَ المصدرِ حالاً لا يَطَّرِدُ. الثاني: أنه منصوبٌ على المصدريةِ بفعلٍ مقدَّرٍ من لفظِه أي يَحْسُدونكم حَسَداً، والأولُ أظهرُ الثلاثة.
قوله: ﴿مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ في هذا الجارِّ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها، أنَّه متعلِّقٌ بوَدَّ، أي: وَدُّوا ذلك مِنْ قِبَلِ شَهَواتِهم لا من قبلِ التَدَيُّنِ، و «مِنْ» لابتداءِ


الصفحة التالية
Icon