وفَرَّق الزمخشري بين «نَزَّل» و «أنزل» على عادتِه فقال: «فإنْ قلت: لِمَ قيل: نَزَّل الكتابَ، وأنزل التوراة والإِنجيل؟ قلت: لأن القرآن نَزَل منجَّماً ونَزَل الكتابان جملةً». قال الشيخ: «قد تقدَّم الردُّ عل هذا القول في البقرة، وأنَّ التعديةَ بالتضعيف لا تَدُلُّ على التكثير ولا على التنجيم، وقد جاء في القرآن: أَنْزَل ونَزَّل، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر﴾ [النحل: ٤٤] و ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب﴾ [آل عمران: ٣] ويدلُّ على أنهما بمعنى واحد قراءةُ مَنْ قرأ ما كان من» يُنَزِّلُ «مشدداً بالتخفيف إلا ما استُثْنِيَ، ولو كان أحدُهما يدلُّ على التنجيم والآخر على النزولِ دفعةً واحدةً لتناقض الإِخبار وهو مُحالٌ». قلت: وقد سَبَقَ الزمخشري إلى هذا الفرقِ بعينِه الواحديُّ.
قوله تعالى: ﴿مِن قَبْلُ﴾ : متعلِّقٌ بأَنْزَل، والمضافُ إليه الظرفُ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرهُ: مِنْ قبلِك ِأو من قبلِ الكتاب. والكتابُ غَلَب على القرآن كالثريا. وهو في الأصْلِ مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي: المكتوبَ، وذكَر المنزَّلَ في قوله «نَزَّل عليك» ولم يذكره في قوله: ﴿وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل﴾ تشريفاً لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: ﴿هُدًى﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه منصوبٌ على المفعولِ من أجله، والعاملُ فيه أنْزَل أي: أَنْزَلَ هذين الكتابين لأجلِ هداية. ويجوز أن يكونَ متعلقاً من حيث المعنى بنَزَّلَ وأنزل معاً، وتكونُ المسألةُ من بابِ التنازع على إعمال الثاني، والحذفُ من الأولِ تقديرُه: نَزَّلَ عليك له أي: للهدى،