وهل هذا الاستفهامُ على حقيقتِه؟ فيه وجهان أظهرهما: نعم، ويعنون بالأمر: النصرَ والغلبةَ. والثاني: أنه بمعنى النفي، كأنهم قالوا: ليس لنا من الأمر أي النصر شيءٌ، وإليه ذهب قتادة وابن جريج، ولكن يضعف هذا بقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ﴾ فإنَّ مَنْ نَفَى عن نفسِه شيئاً لا يُجاب بأَنْ يُثْبَتَ لغيرِه، لأنه مُقِرٌّ بذلك، اللهم إلا أَنْ يُقَدِّر جملةً أخرى ثبوتيةً مع هذه الجملةِ فكأنهم قالوا: ليس لنا من الأمر شيء، بل لِمَنْ أَكْرَهَنا على الخروج، وحَمَلَنا عليه، فحينئذ يَحْسُن الجواب بقوله ﴿قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ﴾ لقولهم هذا.
وهذه الجملةُ الجوابيةُ اعتراضٌ بين الجمل التي جاءت بعد قوله: ﴿وَطَآئِفَةٌ﴾ فإنَّ قولَه: ﴿يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِم﴾ وكذا «يقولون» الثانية: إمَّا خبرٌ عن «طائفة» أو حال مِمَّا قبلها.
وقرأ الجماعة «كلَّه» بالنصب، وفيه وجهان، أظهرهما: أنه تأكيدٌ لاسم «إن». والثاني حكاه مكي عن الأخفش أنه بدلٌ منه، وليس بواضحٍ. و «لله» خبرُ «إنْ». وقرأ أبو عمرو: «كلُّه» رفعاً وفيه وجهان، أشهرُهما: أنه رفع بالابتداء، و «لله» خبرُه، والجملةُ خبرُ «إنَّ» نحو: «إنَّ مالَ زيد كلُّه عنده». والثاني: أنه توكيدٌ على المحلِّ، ف «إنَّ» اسمُها في الأصل مرفوعٌ بالابتداء، وهذا مذهبُ الزجاج والجرميّ، يُجْرون التوابع كلها مُجْرى عطفِ النسق، فيكونُ «لله» خبراً ل «إنَّ» أيضاً. و «يُخْفون» : إمَّا خبرُ ل «طائفة» أو حالٌ مِمَّا قبله كما تقدم. وأما «يقولون» فيحتمل هذين الوجهين، ويحتمل أَنْ يكون تفسيراً لقوله «يُخْفون» فلا محلَّ له حينئذ.
وقوله: ﴿مَّا قُتِلْنَا﴾ جوابُ «لو»، وجاء على الأفصحِ: فإنَّ جوابَها إذا كان


الصفحة التالية
Icon