ويكون الثاني محذوفاً، وبعدمِ الاحتياجِ إلى حَذْفِ المفعول الثاني يترجَّح الوجُه الأول.
ثم هذه الجملةُ أعني قولَه: ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ﴾ لا محلَّ لها من الإِعراب لأنها جملة اعتراضية. قال الزمخشري: بعد أن حكى في معانيها أقوالاً اختار منها الأولَ «لأنَّ هذه الجملةَ اعتراضية، ومن حقِّ الاعتراضِ أَنْ يؤكِّد ما اعتَرَض بينه وبين ما يناسِبُه» يعني بالاعتراض أنها واقعةٌ من قصة المواريث، إلا أنَّ هذا الاعتراضَ غيرُ مرادِ النحويين، لأنهم لا يَعْنُون بالاعتراضِ في اصطلاحهم إلاَّ ما كان بين شيئين متلازمين كالاعتراضِ بين المبتدأ وخبره، والشرطِ وجزائه، والقسمِ وجوابه، والصلةِ وموصولها. ثم ذكر في معانيها أقوالاً أحدها: وهو الذي اختاره أَنْ جَعَلَها متعلقةً بالوصية فقال: «ثم أكَّد ذلك يعني الاهتمام بالوصية ورَغَّب فيه بقوله: ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ﴾ أي: لا تَدْرُون مَنْ أنفعُ لكم من آبائكم وأبنائِكم الذين يَمُوتون، أَمَنْ أَوصى منهم أم من لم يوصِ، يعني أنَّ مَنْ أوصى ببعضِ مالِه فعرَّضكم لثوابِ الآخرةِ بإمضاء وصيته فهو أقربُ لكم نفعاً وأحضَرُ جدوى ممَّن ترك الوصيَّة فوفَّر عليكم عَرَض الدنيا، وجعل ثواب الآخرة أقربَ وأَحْضَرَ مِنْ عرض الدنيا، ذهاباً إلى حقيقة الأمر، لأن عَرَضَ الدنيا وإنْ كان قريباً عاجلاً في الصورة إلا أنه فانٍ، فهو في الحقيقةِ الأبعدُ الأقصى، وثوابُ الآخرة وإن كان آجلاً إلا أنه باق، فهو في الحقيقةِ الأقربُ الأدنى».
وانتصبَ «نفعاً» على التمييز من «أقرب»، وهو منقول من الفاعلية، واجبُ النصب، لأنه متى وقع تمييزُ بعد أَفْعلِ التفضيل: فإنْ صَحَّ أَنْ يصاغَ منها فعلٌ مسندٌ إلى ذلك التمييز على جهة الفاعلية وجب النصب كهذه الآية، إذ يصح أن يقال: أيُّهم قَرُبَ الكم نَفْعُه، وإن لم يصِحَّ ذلك وجَبَ جَرُّه نحو: «زيد أحسنُ