فجُرَّ بتقديرِ الباء، وليس بموضعِ ضرورةٍ، وقد أَفْرَدْتُ لهذه المسألةِ كتاباً» قوله: «وإبقاء الجر» ليس على إطلاقهِ، وإنما يَطَّرد منه مواضعُ نصَّ عليها أهلُ اللسانِ ليس هذا منها، وأمَّا البيتان فالجرُّ فيهما عند النحاة يسمى «العطف على التوهُّم» يعني كأنه توهَّم وجودَ الباء زائدةً في خبر «ليس» لأنها يكثُر زيادتُها، ونَظَّروا ذلك بقوله تعالى: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾ [المنافقون: ١٠] بجزم «أَكُنْ» عطفاً على «فأصَّدَّق» على توهُّم سقوط الفاء من «فأصَّدَّق» نَصَّ عليه سيبويه وغيرُه، فظهرَ فساد هذا التخريج.
وأمَّا قراءةُ الرفع فعلى الابتداء والخبر محذوف أي: وأرجلُكم مغسولةٌ أو ممسوحة على ما تقدم في حكمها. والكلام في قوله: «إلى الكعبين» كالكلام في «إلى المرفقين». والكعبان فيهما قولان مشهوران، أشهرهما: أنهما العَظْمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، في كل رِجْلٍ كعبان. والثاني: أنه العظم الناتئ في وجه القدم حيث يجتمع شِراك النعل، ومرادُ الآية هو الأول. والكعبة: كلُّ بيتٍ مربع، وسيأتي بيانُه في موضعِه.
قوله: «منه» في محلِّ نصبٍ متعلِّقاً ب «امسحوا» و «مِنْ» فيها وجهان أظهرهما: أنها للتبعيض. والثاني: انها لا بتداء الغايةِ، ولهذا لا يُشْترط عند هؤلاء أن يتعلق باليد غبارٌ. وقوله: «ليجعلَ» الكلامُ في هذه اللامِ كالكلامِ عليها في قوله:
﴿يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦]، إلا أنَّ مَنْ جَعَلَ مفعولَ الإِرادة محذوفاً وعَلَّقَ به اللامَ مِنْ «ليجعلَ» زاد «مِنْ» في الإِيجاب في قوله «من حرج»، وساغَ ذلك لأنه في حَيِّز النفي وإن لم يكن النفيُ واقعاً على فعل الحرج. و «من حرج» مفعول «ليجعل» والجعلُ


الصفحة التالية
Icon