قوله تعالى: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ﴾ : تقدَّم نظيرُها في النساء إلا أنه هناك قَدَّم لفظة «القسط» وهنا أُخِّرت، وكأن الغرضَ في ذلك - والله أعلمُ - أنَّ آية النساء جيء بها معرض الإِقرار على نفسِه ووالديه وأقاربه فبُدِىء فيها بالقسط الذي هو العدل من غير محاباةِ نَفْس ولا والدٍ ولا قرابة والتي هنا: جِيء بها في معرض تكر العداوة فبُدِئ فيها بالأمر بالقيام لله؛ لأنه أردعُ للمؤمنين، ثم ثَنَّى بالشهادة بالعدل، فجيء في كل مَعْرِضٍ بما يناسِبُه. وقوله: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُم﴾ [المائدة: ٢] تقدَّم مثله، وظهورُ حرفِ الجر هنا يرجِّع تقديرَه قبلُ. «هو أقرب» :«هو» ضمير المصدر المفهوم من الفعل أي: العدل، وقد تقدَّم له نظائُر كثيرة.
قوله تعالى: ﴿وَعَدَ الله﴾ :«وعد» يتعدَّى لاثنين أولهما الموصول، والثاني محذوفٌ أي: الجنةَ، وقد صَرًَّح بهذا المفعولِ في غير هذا الموضع وعلى هذا فالجملة من قوله: «لهم مغفرة» لا محل لها لأنها مفسرةٌ لذلك المحذوفِ تفسيرَ السبب للمسبب، فإن الجنةَ مسببةٌ عن المغفرةِ وحصولِ الأجر العظيم، والكلامُ قبلها تام بنفسه. وذكر الزمخشري في الآية احتمالاتٍ أخَرَ، أحدها: أنَّ الجملةَ من قوله: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ بيانٌ للوعد، كأنه قال: قَدَّم لهم وعداً، فقيل: أيَّ شيء وعده؟ فقال: لهم مغفرة وأجر عظيم، وعلى هذا فلا محلَّ لها أيضاً، وهذا أَوْلى من الأول لأن تفسيرَ الملفوظِ به أَوْلى من ادِّعاء تفسير شيء محذوف. الثاني: أنَّ الجملةَ منصوبةٌ بقولٍ محذوفٍ كأنه قيل: وَعَدهم وقال لهم مغفرة. الثالث: إجراءُ


الصفحة التالية
Icon