قوله: ﴿فَأَفُوزَ﴾ الجمهور على نصبه في جواب التمني، والكوفيون يزعمون نصبَه بالخلاف، والجَرْميُّ يزعم نصبَه بنفسِ الفاء، والصحيح الأول، لأن الفاء تَعْطِفُ هذا المصدر المؤول مِنْ «أن» والفعلِ على مصدر متوهم، لأن التقدير: يا ليت لي كوناً معهم أو مصاحبتَهم ففوزاً، ولهذه المذاهبِ تصحيحاً وإبطالاً موضوعٌ غيرُ هذا قد نَبَّهْتُ عليه غيرَ مرةٍ. وقرأ الحسن «فأفوزُ» رفعاً على أحد وجهين: إمَّا الاستئنافِ أي: فأنا أفوزُ، أو عطفاً على «كنت» فيكون داخلاً في حيِّز التمني أيضاً، فيكون الكون معهم والفوزُ العظيم مُتَمَنَّيْن جميعاً.
قوله تعالى: ﴿الذين يَشْرُونَ الحياة﴾ : فاعل بقوله: ﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ و «يَشْرون» يحتمل وجهين، أحدُهما: أن يكون بمعنى يشترون. فإنْ قيل: قد قررت أن الباء إنما تدخُل على المتروك، والظاهرُ هنا أنها دَخَلَتْ على المأخوذِ. فالجوابُ: أنَّ المرادَ بالذين يشترون المنافقون المبطِّئُون عن الجهاد أمَروا بأَنْ يُغَيِّروا ما بهم من النفاق، ويُخْلِصوا الإِيمانَ باللَّهِ ورسولِه، ويجاهدوا في سبيلِ الله، فلم تَدْخُلْ إلا على المتروك؛ لأنَّ المنافقين تاركون للآخرة آخذون للدنيا. والثاني: أنَّ «يشرون» بمعنى يَبيعون، ويكون المرادَ بالذين يَشْرُون: المؤمنون المتخلفون عن الجهاد المُؤْثِرون الآجلةَ على العاجلة، ونظيرُ هذه الآية في كون «شرى» تحتمل الاشتراء والبيع باعتبارين قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠] وسيأتي. وقد تقدَّم لك شيءٌ من هذا في أول البقرة.


الصفحة التالية
Icon