بمعنى فئتين، فإنه في قوة «ما لكم تفترقون في أمور المنافقين» فحُذِف المضافُ، وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه. والثالث: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «فئتين» لأنه في الأصل صفةٌ لها، تقديرُه: فئتين مفترقتين في المنافقين، وصفةُ النكرة إذا قُدِّمت عليها انتصبَتْ حالاً.
وفي «فئتين» وجهان، أحدُهما: أنها حالٌ من الكاف والميم في «لكم»، والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تعلَّق به «لكم» ومثلُه: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ﴾ [المدثر: ٤٩]، وقد تقدَّم أنَّ هذه الحالَ لازمةٌ؛ لأن الكلامً لا يَتِمُّ دونَها، وهذا مذهبُ البصريين في كل ما جاء من هذا التركيب والثاني - وهو مذهب الكوفيين-: أنه نصبٌ على خبر «كان» مضمرةً، والتقدير: ما لكم في المنافقين كنتم فئتين، وأجازوا: «ما لك الشاتمَ» أي: ما لك كنت الشاتمَ، والبصريون لا يجيزون ذلك لأنه حالٌ والحالُ لا تتعرَّف، ويدلُّ على كونه حالاً التزامُ مجيئه في هذا التركيب نكرةً، وهذا كما قالوا في «ضربي زيداً قائماً» إن «قائماً» لا يجوز نصبُه على خبر «كان» المقدرةِ، بل على الحال لالتزامِ تنكيره. وقد تقدَّم اشتقاقُ «الفئة» في البقرة.
قوله: ﴿والله أَرْكَسَهُمْ﴾ مبتدأ وخبر، وفيها وجهان أظهرهما: أنها حالٌ: إمَّا من المنافقين - وهو الظاهرُ - وإمَّا من المخاطبين، والرابطُ الواوُ، كأنه انكرَ عليهم اختلافَهم في هؤلاء، والحال أن الله قد ردَّهم إلى الكفر. والثاني: أنها مستأنفةٌ أخبر تعالى عنهم بذلك. و «بما كَسَبوا» متعلقٌ ب «أَرْكَسهم» والباء سببية أي: بسبب كَسْبهم، و «ما» مصدريةٌ أو بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ على الثاني لا [على] الأولِ على الصحيح.


الصفحة التالية
Icon