الراغب - قال أبو مسلم: «لَمَّا أوجبَ اللَّهُ الهجرةَ على كلِّ مَنْ أسلمَ استثنى مَنْ له عذرٌ فقال: ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ﴾ وهم قوم قصدوا الهجرة إلى الرسول ونصرتَه، وكان بينهم وبين المسلمين عَهْدٌ فأقاموا عندهم إلى أن يمكِّنهم الخلاصُ، واستثنى بعد ذلك مَنْ صار إلى الرسول وإلى أصحابِه لأنه يَخافُ اللَّهَ فيه، ولا يقاتِلُ الكفارَ أيضاً لأنهم أقاربُه، أو لأنه يخاف على أولاده الذين هم في أيديهم» فعلى هذا القولِ يكون استثناءً منقطعاً، لأن هؤلاء المستثنين لم يدخُلوا تحت قولِه: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ﴾ والمستثَنْون على هذا مؤمنون.
و ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ يجوز أن يكونَ جملةً من مبتدأ وخبر في محل جرِّ صفةً ل «قوم»، ويجوز أن يكونَ «بينكم» وحده صفةً ل «قوم» فيكونَ في محلِّ جر ويتعلَّقُ بمحذوفٍ، و «ميثاق» على هذا رفعٌ بالفاعلية؛ لأنَّ الظرفَ اعتمد على موصوفٍ، وهذا الوجهُ أقربُ؛ لأنَّ الوصفَ بالمفردِ أصلٌ للوصفِ بالجملة.
قوله: ﴿أَوْ جَآءُوكُمْ﴾ فيه وجهان، أظهرُهما: أنه عطفٌ على الصلة، كأنه قيل: أو إلا الذين جاؤوكم حَصِرَتْ صدورُهم، فيكون المستثنى صنفين من الناس، أحدهما واصلٌ إلى قومٍ معاهِدين، والآخر مَنْ جاء غَيْر مقاتِلٍ للمسلمين ولا لقومِه. والثاني: أنه عطفٌ على صفةِ «قوم» وهي قولُه ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ فيكون المستثنى صنفاً واحداً يختلف باختلافِ مَنْ يصل إليه من معاهِدٍ وكافرٍ. واختار الأولَ الزمخشري وابن عطية، قال الزمخشري: «الوجهُ العطفُ على الصلةِ لقوله: ﴿فَإِنِ اعتزلوكم فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ﴾ بعد قوله: ﴿فَخُذُوهُمْ واقتلوهم﴾ فقرَّر أنَّ كفَّهم عن القتال أحدُ سببي استحقاقِهم لنفي


الصفحة التالية
Icon