وهناك وجهٌ لا يمكنُ أن يأتيَ ههنا وهو: أن تكون «ما» مصدريةً، وهي وما بعدها في محل رفع بالفاعلية ب «قليلاً» الذي هو خبر «كان»، والتقدير: كانوا قليلاً هجوعُهم، وأمَّا هنا فلا يمكن ذلك لعدمِ صحة نصب «قليلاً» بقوله: «ولا تتَّبعوا» حتى تجعل «ما تذكَّرون» مرفوعاً به.
ولا يجوز أن يكونَ «قليلاً» حالاً من فاعل «تَتَّبعوا» و «ما تذكَّرون» مرفوعٌ به، إذ يصير المعنى: أنهم نُهوا عن الاتِّباع في حالِ قلةِ تذكُّرهم، وليس ذلك بمراد.
وقرأ الأخَوان وحفص: تَذَكَّرون «بتاء واحدة وتخفيف الذال، وابن عامر بتاءين وتخفيف الذال، والباقون بتاء وتشديد الذال، وهنَّ واضحات، تقدم معناها في الأنعام.
قوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ : في «كم» وجهان، أحدهما: أنها في موضعِ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ الجملةُ بعدها، و «من قرية» تمييز، والضمير في «أهلكناها» عائدٌ على معنى كم. وهي هنا خبرية للتكثير، والتقدير: وكثير من القرى أهلكناها. ونقل أبو البقاء عن بعضهم أنه جعل «أهلكناها» صفةً لقرية، والخبرُ قوله: «فجاءها بأسنا» قال: «وهو سهوٌ لأنَّ الفاء تمنعُ من ذلك». قلت: ولو ادَّعى مُدَّعٍ زيادتَها على مذهب الأخفش لم تُقْبَلْ دعواه؛ لأن الأخفش إنما يزيدها عند الاحتياج إلى زيادتها.